تاريخ

خمس خطابات غيرت العالم كليّا، تعرف عليها.

قد تشغل رسائل البريد الإلكتروني معظم مراسلاتنا هذه الأيام، ولكن كان هناك وقت يحمل فيه الخطاب المكتوب بِخط اليد قدراً كبيراً من الأهمّية. ألقِ نظرة على خمسة خطابات كان لها تأثير واضح وقوي على تاريخ العالم.

1- الرسالة الطريفة وراء لحية الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن

اُنتخب أبراهام لينكولن Abraham Lincoln في عام 1860 ليصبح رئيس الجمهورية. كان رجلًا حليق الذقن والشارب، وكان هذا مناقض تمامًا لصورته وصورة ذلك الرجل الملتحي طول فترة الرئاسة، والسببُ الذي دفع لينكولن إلى إطلاق لحيته هو رسالة بعثت بها فتاة صغيرة لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها تدعى جريس دييل، إلى الرئيس لينكولن من أجل مساعدته في الفوز في حملته الانتخابية، كتبت فيها، أن وجهه الذي وصفته بالـ«نحيل جدا» سيكون أفضل بلحية لأن «جميع السيدات يعشقن اللحى». 

لم يهمل لينكولن الرد على الطفلة جريس التي دفعته ليطلق لحيةً كانت الأشهر بين لحى الرؤساء الأمريكيين، فبعد مرور 4 أيام فقط على رسالتها، بعث إليها برقية تسائل فيها ما إن كانت تعتقد أن الناس سيظنون «أن اللحية تكلف ودعاية سخيفة». لكنه عقب فترة قليلة اقتنع بالأمر وأطلق لحيته المعروفة. وبعد فوزه بالانتخابات، طلب أن يمر بالقرب من بلدة بيدل -ويستفيلد في نيويورك- ليعلمها أنه أخذ بنصيحتها.

2- رسالة أينشتاين واندلاع سباق التسلح النووي

في الثاني من أوت 1939 وقَّع ألبرت أينشتاين علي رسالة كتبها وكان من الصعب أن يفهم خطورتها. وصلت الرسالة إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فرانكلين ديلانو روزفلت Franklin Delano Roosevelt وفيها تحذير أن العمل الذي يقوم به علماء مثل إنريكو فيرمي Enrico Fermi وليو زيلارد Leo Szilard قد يؤدي قريبًا إلى إنتاج «تفاعل نووري متسلسل في كتلة يورانيوم كبيرة» إذ قال أينشتاين إن عواقب هكذا إنجاز ستكون «قنابل فتاكة جدًا من نوع جديد». 

كان الدافع وراء نقل أينشتاين إمكانات سلاحٍ خارقٍ إلى حكومة الولايات المتحدة، هو قلقه إزاء احتمالية تطوير علماء ألمانيا للسلاح أولًا إذا لم تتحرك الولايات المتحدة بسرعة. لاقت الرسالة صداها عند روزفلت، فأصدر قرارًا إلى مستشاره العسكري الجنرال إدوين واطسون بالمبادرة والبدء في صناعة ذلك السلاح.

لم تكن هذه المراسلة الوحيدة بين زيلارد وروزفلت. فعند تلقيه الرسالة الأولى وعد روزفلت بتمويل أبحات زيلارد في مجال الانشطار النووي، وعندما تأخر وصول هذه الأموال، بعث زيلارد رسالة ثانية إلى الرئيس الأمريكي يهدده فيها بنشر بحث يحوي تفاصيل عن بعض المعلومات اللازمة لصناعة سلاح نووي ما لم يفِ بوعوده.

وحقق زيلارد ما تمناه، رغم أنه عبَّر عن ندمه لاحقًا لوضعه الأسس الأولى لهذا المشروع، متخوفًا من حرب نووية لا تبقي ولا تذر.

ولقد ساهمت الرسائل في سلسلة أحداث أدت إلى مشروع مانهاتن Manhattan Project وتطوير القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناكازاكي في عام 1945 وساعدت في إنهاء الحرب العالمية الثانية. 

3- رسالة جورج واشنطن التي فازت بالثورة الأميركية

كان جورج واشنطن George Washington وهو القائد العام للقوات المسلحة للجيش القاري (في أثناء الحرب الأمريكية الثورية) يواجه أزمة فرقت المستعمرات الأمريكية التي كانت تحاول الانفصال عن بريطانيا العظمى.

لم تكن الأمور على ما يرام فقد استولى الجيش البريطاني على ميناء مدينة نيويورك وكان يتقدم أكثر كل يوم. اعتقد واشنطن أن بوسعه الاستفادة من وجود جاسوس في المدينة لمعرفة ما يجري خلف خطوط العدو. وبعد أن فشل في ابتعاث أي متطوعين باستثناء ناثان هيل Nathan Hale وهو شاب عديم الخبرة سرعان ما أُسِرَ وشُنِقَ بعد أقل من أسبوعين، كتب واشنطن خطابًا لعميل ذا خبرة يدعى ناثانيال ساكيت Nathaniel Sackett.

عرض واشنطن خمسين دولارًا على ساكيت شهريًا في مقابل تطوير شبكة جواسيس وتكوين نظام تجسسي لجمع المعلومات المخابراتية. ورغم أن ساكيت لم يحرز تقدمًا كبيرًا إلا أن عميلا آخر هو بنجامين تالمادج Benjamin Tallmadge فعل. 

فقد نجحت مجموعة كولبر الجاسوسية Culper Spy Ring التي أسسها تالمادج في جمع معلومات عن حركة القوات البريطانية وخططها وسلمتها لواشنطن. 

وهكذا اُختُرِقَتْ الخطط البريطانية باستمرار حتى استسلم الجنرال كورنويلز في عام 1781. 

4-رسالة الأم التي ساعدت في إعطاء المرأة حق التصويت

في عام 1920، كان مصير حق المرأة في الاقتراع بيد الرجل الذي عارض الحركة علًنًا. ففي 18 أوت من ذلك العام كان لممثل مجلس نواب ولاية تينيسي هاري توماس بيرن Harry Thomas Burn، الصوت الفاصل بشأن ما إذا كانت ولايته ستصادق على التعديل التاسع عشر. 

وبموافقته أصبحت ولاية تينيسي الولاية السادسة والثلاثين التي تقوم بذلك، وبالتالي تحققت نسبة موافقة ثلاثة أرباع الولايات اللازمة لمنح المرأة حق التصويت (36 ولاية من أصل 48). كان تصويت بيرن لصالح هذا الحق مستبعدًا، حيث كان يضع على سترته وردة حمراء تعد رمزًا لمناهضي حق الاقتراع. حتى أن إحدى الصحف المحلية نشرت صبيحة ذلك اليوم إعلانًا يدعو الناس إلى «وضع وردة حمراء» للمساعدة في محاربة «أهم قضية شغلت الجنوب منذ الحرب الأهلية».

عندما طرح التعديل أخيرًا للتصويت بعد مناقشة مطوَّلة، فاجأ بيرن المراقبين بالتصويت لصالح القانون. ما السبب؟ كان في جيب سترته رسالة من والدته فيب انسمنجر بيرن، حثته فيها على الوقوف بجانب قضية حق المرأة في التصويت. قالت فيها: «لا تنسَ أن تكون ولدًا طيبًا»، وقال بيرن في وقت لاحق: «من الأفضل للصبي أن يتّبع نصيحة أمه دومًا».

5- الرسالة التي أثَّرت على حركة الحقوق المدنية

لم يُضِع زَعيمُ الحُقوق المدنِيةِ مارتن لوثر كينغ الابن Martin Luther King Jr وقته حين سُجِنَ فِي برمنغهام، ألاباما، فِي الثَّاني عَشَر مِنْ أفريل 1963 لمُشَارَكَته فِي مَسيرة بِدونَ تَصريح. بل اسْتَخدم كُلَّ مَا كَان بِحوزتِه مِنْ مَوادٍ -بما في ذلك حافات الصحف والورقة التي قدمها إليه محاميه- وأمضى أسبوعًا وهو يُعِدُ لرد بليغ وجواب مدروس في مواجهة انتقادات رجال الدين المحليين بأن الاحتجاجات لم تكن الحل. 

وبحلول السادس عشر من أفريل كان قد كتب ما سيعرف لاحقًا بـ«خطابٍ من سجن برمنغهام»، وهو نقض مطول يُعزز الحاجة إلى المظاهرات العامة ضد التميز العنصري. وجادل كينغ في الخطاب بحماس ضد فكرة انتظار تشريع التغيير الاجتماعي بصبر.

كتب كينغ «إنَّ الظلم في أيّ مكان يشكل تهديدًا للعدالة في كل مكان»، والواقع أن هذه المقالة، التي نشرت في وقت لاحق في جريدة أتلانتك Atlantic فضلًا عن نشرها في كتاب كينغ ذاته في عام 1964 بعنوان لماذا لانستطيع الانتظار، كانت بمثابة صيحة لحشد القوة والنشاط في أثناء فترة حاسمة من التاريخ، ووثيقة للحركة ذاتها.

إعداد: نورا الشاقي

تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر

مراجعة: ياسين خضراوي

المصدر

ياسين خضراوي

مؤسس مبادرة الباحثون التونسيون منذ 2020، مترجم في عديد المواقع والمنظمات العالمية أمثال: TEDx، UNESCO، ومحرر ومدير في ويكيبيديا العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى