لماذا لا تسمم الحيوانات السامة نفسها ؟

في أحد الأيام الصافية، بينما كان الطالب بجامعة كامبريدج، تشارلز داروين، يتنزه بين أحضان الطبيعة، إذ قام بنزع بعض اللحاء القديم عن إحدى الأشجار ووجد تحتها اثنتين من الخنافس النادرة. على الطالب الفضوليّ أن يلتقط هاتين الخنفساءين، لذا أخذ واحدة في كل يد، لكنه سرعان ما لاحظ وجود خنفساء ثالثة.

وضع داروين واحدة من الحشرتين في فمه للحفاظ عليها، ومد يده لالتقاط الحشرة الثالثة، قبل أن يفاجئه رذاذ مباغت من سائل ساخن ومر الطعم.

خنفساء بومباردييه (Bombardier beetle) كانت هي من هاجمت داروين. على غرار العديد من الحيوانات الأخرى كالضفادع وقناديل البحر والثعابين، تستعمل هذه الحشرة مواد كيميائية سامة من الغدد الموجودة في بطنها للدفاع عن نفسها.

لكن لماذا لا تؤذي هذه المادة الكيميائية الخنفساء نفسها؟ كيف يمكن لأي من الحيوانات السامة أن ينجو من السموم التي يفرزها؟
يكمن الجواب في استخدامها واحدة من الاستراتيجيات التالية: تخزين هذه السموم بطريقة آمنة أو تطوير آليات تمكنها من أن تصبح منيعةً ضدّها.

تستخدم خنافس بومباردييه الطريقة الأولى ذلك أنّها تقوم بتخزين مكونات سمها في حجرتين منفصلتين وعندما تشعر بالتهديد، يُفتح الصمّام الموجود بين الحجرتين وتمتزج المواد ليصبح سامّا قبل أن يمر من خلال حُجرة مقوّاة تعمل على حماية أنسجة الخنفساء الداخلية.

نفس هذه الاستراتيجية تستخدمها قناديل البحر التي تخزن سمها بطريقة آمنة في حجر تشبه الرماح، وكذلك تخزن الثعابين سمومها في حجيرات مماثلة وتنتهي إلى الأنياب ثم إلى الفريسة.

في الحقيقة، تستخدم الثعابين أيضًا الاستراتيجية الثانية، أي أنّها تتمتّع بمناعة ذاتية. تصنَعُ بعض الأفاعي بروتينات خاصة ترتبط مع المادة السامة في الدم لتبطل مفعولها.

من جهتها، طوّرت الضفادع السّامة مناعة ضد السموم التي تنتجها، ولكن من خلال آلية مختلفة. تدافع هذه الحيوانات الصغيرة عن نفسها مستخدمةً مركبات تسمى قلويات.

عزيزي القارئ، تخيّل المادة القلوية التي يستعملها الضفدع للدفاع عن نفسه كمفتاح وتخيّل المادة السّامة كقفل. عندما يدخل هذا المفتاح السُمّي إلى داخل القفل، يطلق سلسلة من الإشارات الكهربائية والكيميائية التي يمكن أن تسبب الشلل، وفقدان الوعي ثم الموت.

ولكن إذا قمت بتغيير شكل القفل أو المفتاح، فإن المفتاح لن يدخل فيه. بالنسبة للضفادع السامة والكثير غيرها من الحيوانات، فإن بعض التعديلات الجينية تقوم بتغيير شكل المفتاح بما يكفي لمنع السموم من أن تحدث تأثيرها المضر.

إعداد : محمد شعبان
تدقيق : ياسين خضراوي

مصادر