علوم إنسانية

الديمقراطية الرقمية: هل تحسم تطبيقة مسائل التمثيلية والشرعية والثقة ؟

الديمقراطية الرقمية: هل تحسم تطبيقة هاتفية مسائل التمثيلية والشرعية والثقة؟

تعكف حاليا بلدة آراو Aarau السويسرية بالتعاون مع باحثين في علم الاجتماع من جامعة فرايبورغ وجامعة زوريخ التقنية على تجربة تطبيقة هاتفية تمكن المواطنين من المشاركة في أخذ القرار، وذلك بهدف البحث عن أعلى مستوى ممكن من الثقة والشفافية بين المواطنين والأجهزة التنفيذية، والإجابة عن أسئلة كثيرًا ما شغلت علماء الاجتماع حول الشرعية والتمثيلية.
قبل كل شيء، يعتبر النظام السياسي السويسري من أكثر الأنظمة تفاصيلاً وتراتيبًا وآليّاتًا، تم بناؤها وتعديلها وتجويدها على مرّ تاريخ البلد، إلى أن استوى الأمر منذ زمن إلى ماهو عليه الآن.

اليوم، وبتقدّم ما بات يُعرَف بعلم الاجتماع الحسابي Computational Social Science أصبح تطوير أنظمة الحكم يتم عبر النمذجة والمحاكاة الحاسوبية وتحليل البيانات وحتى الذكاء الاصطناعي، وفي هذا السياق يأتي مشروع مدينة آراو وجامعة فرايبورغ المذكور. لكن قبل الخوض في تفاصيل التجربة، يجدر التذكير بمراحل تطوّر البحث في أنظمة الحكم على مرّ التاريخ.

رغم ظهور أنظمة حكم مدروسة ومتقدمة في حقب سابقة للإغريق (شريعة حمورابي وجمهورية قرطاج على سبيل الذكر لا الحصر) إلا أن الفلاسفة الإغريق يعتبرون من أشهر المنظّرين والمناقشين الأوائل في أساليب الحكم حيث بقيت كتاباتهم شاهدة على ذلك بفضل الناقلين والمفسّرين من فلاسفة العرب. لكن بقيت النقاشات والنظريات منذ ذلك الوقت وعبر القرون الوسطى وصفية كيفية بحتة دون أي تجارب إحصائية أو إثباتات رياضية وكمّيّة (أعمال ابن خلدون وميكيافيلي مثالا) إلى حين تأسيس علم الاجتماع المعتمد على المذهب الوضعي مع أوغست كونت في القرن التاسع عشر، الذي نظّر لعلم الاجتماع الوضعي، أي القائم على التجربة، قبل أن يأتي دوركايم ويجعل منه علما أكاديميا ومجال تخصص ودراسة جامعية.

لكن الإمكانات الإحصائية والحسابية بقيت متواضعة إلى حدود منتصف القرن العشرين حيث انتقل مركز الثقل في علم الاجتماع من أوروبا إلى الولايات المتحدة. بتلك النقلة أصبح علم الاجتماع يقوم أساسا على الإحصاء وتحليل البيانات والنماذج الرياضية التي يتم إثباتها أو دحضها بالمحاكاة الحاسوبية.

لم يتوقف الأمر هنا بل شهد علم الاجتماع ثورة جديدة مع مطلع القرن الحادي والعشرين بظهور شبكات التواصل الاجتماعي والتي وفّرت كمّا هائلا من المعلومات والبيانات الضخمة ووضعها على ذمة الباحثين. من ثم أصبحت فكرة الشبكات الاجتماعية دارجة في كل المجالات إلى أن وصل التفكير بالباحثين لتطويعها في تنظيم أساليب أخذ القرار ودعم المجموعات البشرية في رفعها من مستوى عيشها أو في طريقة تعايشها الجمعي، وهذا إطار المشروع البحثي الذي نُخبر عنه في هذا المقال.

تتلخص فكرة المشروع في فتح المجال للمواطنين للمساعدة في تشكيل القرارات السياسية باستخدام تطبيقة هاتف ذكي. عبر ذلك يطمح الباحثون إلى تحديد العوامل التي تقرر ما إذا كان مستخدمو هذا التطبيق يرون أن القرارات جديرة بالثقة والشرعية. من جهة أخرى يشكل المشروع جزءًا من تطوير استراتيجية المدينة الذكية وإعادة التنظيم الجارية حول إقليم المدينة، حيث ستندمج مدينة آراو مع أربع بلديات مجاورة.

في هذا السياق، سيتم تشريك المواطنين المختارين في عملية صنع القرار السياسي. سيتم استجواب المشاركين قبل وبعد ما يسمى بالمرحلة الميدانية بين ماي وأكتوبر 2022، حيث سيستخدمون التطبيق على هواتفهم الذكية. وبذلك سيتسنّى التحقيق في كيفية تأثير استخدام التطبيق أو خصائصه على الثقة والشرعية بالإضافة إلى كفاءات المستخدمين المشاركين في القرار.

من الناحية النظرية، تُساير فكرة هذا البحث النظرية الحديثة للديمقراطية التي تؤكد على مشاركة جميع المواطنين، وتقوم على مجتمع مرن قوامه الذكاء الجماعي والتطور المشترك من أجل مواجهة تحديات معقدة وديناميكية ومترابطة. يمكن أن يكون الانخراط في وجهات نظر مختلفة وسيلة للوصول إلى قرارات سياسية مشروعة وجديرة بالثقة. يأمل الباحثون من وراء هذا المشروع أن تؤدي نتائجه إلى فتح آفاق جديدة للتنمية الحضرية الناجحة.

إعداد: وليد الفراتي

تدقيق علمي: الأخصائي النفساني – صدقي الشيخ

مراجعة لغوية: ياسين خضراوي

المصادر هنا

ياسين خضراوي

مؤسس مبادرة الباحثون التونسيون منذ 2020، مترجم في عديد المواقع والمنظمات العالمية أمثال: TEDx، UNESCO، ومحرر ومدير في ويكيبيديا العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى